كتب – حسام عيد
تشير تقديرات البنك الأفريقي للتنمية إلى أن قارة أفريقيا ستحتاج إلى 170 مليار دولار سنويًا لتمويل البنية التحتية بحلول عام 2025.
وتساهم بنوك التنمية المتعددة الأطراف والمقرضون المدعومين من الحكومة بشكل كبير، مع تخصيص ما يقرب من 100 مليار دولار إلى 120 مليار دولار سنويًا لمشاريع التنمية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومع ذلك، لا تزال فجوة التمويل كبيرة، مما يترك العديد من المشاريع الحيوية تعاني من نقص التمويل.
إن احتياجات البنية التحتية الهائلة في أفريقيا، والتي تشمل قطاعات من الطاقة إلى الرعاية الصحية، لا يمكن أن تلبيها الحكومات وحدها.
وتشكل حلول التمويل المبتكرة، بما في ذلك الشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمارات عبر الحدود، ضرورة أساسية لسد فجوة التمويل، وفق ما أوردت مجلة “أفريكان بيزنس”.
ويمكن لرأس المال الخاص، عند تعبئته من خلال شراكات تعاونية مع وكالات ائتمانات التصدير، ومؤسسات تمويل التنمية، والمنظمات المتعددة الأطراف، أن يلعب دورًا رئيسيًا في إطلاق العنان لرأس المال اللازم لسد هذه الفجوة.
ويعد صندوق البنية التحتية الناشئة في أفريقيا (EAIF)؛ شراكة بين القطاعين العام والخاص توفر تمويل الديون طويل الأجل لمشاريع البنية التحتية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وفي جولته التمويلية الأخيرة، حصل صندوق الاستثمار الأفريقي الأمريكي على تسهيلات ديون بقيمة 294 مليون دولار، مما يجعلها واحدة من أكبر حزم ديون التمويل المختلط للبنية التحتية الأفريقية.
أما المساهمون الرئيسيون هم حكومات المملكة المتحدة وهولندا والسويد وسويسرا.
يتلقى صندوق الاستثمار الأفريقي أيضًا رأس مال دين من مستثمرين من القطاع الخاص مثل أليانز وبنك ستاندرد تشارترد، ومؤسسات تمويل التنمية، مما يمكّنه من توفير رأس مال مرن وصبور لمشاريع البنية التحتية الكبرى في أفريقيا التي تعزز الاتصال، وتعزز التكامل الإقليمي، وتدفع النمو الاقتصادي المستدام عبر القارة.
المشاريع الجديدة تعالج التحديات النظامية
وقد أظهرت العديد من المشاريع التي قادها بنك ستاندرد تشارترد كيف يمكن للشراكات الدولية أن تعالج تحديات البنية التحتية النظامية في أفريقيا.
في أنجولا، تعتبر ندرة المياه قضية ملحة، وتتفاقم بسبب تغير المناخ. على سبيل المثال، يتم حاليًا استخدام قرض بقيمة 22 مليون يورو لتمويل البنية التحتية للمياه النظيفة للمجتمعات الريفية في لواندا. سيقوم مشروع مياه كويمينها بتجديد سد كويمينها وإنشاء بنية تحتية جديدة لتخزين المياه وتوزيعها، مما سيستفيد منه حوالي 100 ألف شخص في المناطق الريفية.
وتهدف هذه المبادرة إلى تحسين الظروف المعيشية ودعم النمو الاقتصادي من خلال ضمان إمدادات موثوقة من المياه النظيفة للاستخدام الصناعي والزراعي في منطقة كويمينها، وهي مركز زراعي بالغ الأهمية. وفقًا للبنك الدولي، تعد الأعمال الزراعية أمرًا بالغ الأهمية للتنويع الاقتصادي في أنجولا. ويجسد المشروع كيف تساعد خبرات التمويل العالمية في مواجهة التحديات المرتبطة بالمناخ وتحسين الوصول إلى الموارد الحيوية.
وفي المناطق الريفية في أنجولا، تم تأمين صفقة تمويل بقيمة 1.29 مليار يورو من بنك ستاندرد تشارترد لتوفير البنية التحتية لتوزيع الكهرباء بالطاقة الشمسية للمجتمعات خارج الشبكة. ويعزز هذا المشروع أمن الطاقة مع تعزيز أهداف التنمية المستدامة من خلال تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية. ومن خلال تسخير الطاقة المتجددة، فإنها لا تعزز مرونة الطاقة المحلية فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا حاسمًا في تحقيق الأهداف المناخية العالمية. وتعالج مثل هذه المبادرات بشكل فعال احتياجات البنية التحتية الملحة، وكل ذلك في الوقت الذي تحقق فيه فوائد طويلة الأجل من خلال تحسين التجارة والاتصال، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر استدامة وازدهارا.
وفي عام 2024، قامت المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات (ICIEC) وشريك مصرفي بتمويل مشروع بقيمة 174 مليون دولار لبناء مستشفيات في كونغ وأوديان، مما يعزز البنية التحتية للرعاية الصحية في كوت ديفوار. تم تجهيز المستشفيات بالتكنولوجيا الحديثة، مما يحسن الوصول إلى الخدمات الطبية عالية الجودة. ويتماشى هذا الاستثمار مع خطة التنمية الوطنية للحكومة وأهداف صندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية لتعزيز أنظمة الرعاية الصحية في البلدان النامية.
تظل البنية التحتية للطاقة واحدة من أهم مجالات الاستثمار في جميع أنحاء القارة الأفريقية. في عام 2022، حصلت مؤسسة CrossBoundary Energy Access (CBEA) على 25 مليون دولار من شركة ARCH Emerging Markets Partners Limited، وصندوق Microsoft Climate Innovation Fund، والبنوك الخاصة. قامت هذه الصناديق بتمويل شبكات صغيرة تعمل بالطاقة الشمسية في أفريقيا لتوفير الطاقة النظيفة لمليون شخص، ودعم الهدف السابع للأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDG7) لتوفير طاقة نظيفة وبأسعار معقولة.
في تنزانيا، وقعت وزارة المالية اتفاقية تسهيلات مع بنك ستاندرد تشارترد تنزانيا للعمل كمنسق عالمي ومدير دفاتر ومرتب رئيسي مفوض لقرض لأجل بقيمة 1.46 مليار دولار لتمويل مشروع السكك الحديدية القياسية (SGR) بطول 550 كيلومترًا من دار السلام إلى ماكوتوبورا. وسيربط خط السكة الحديد تنزانيا ببوروندي ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، مما يعزز التجارة الإقليمية. وقد خلق المشروع أكثر من 8000 فرصة عمل مباشرة جديدة للتنزانيين وفتح الفرص أمام المجتمعات المحلية للحصول على الخدمات الاجتماعية. هذا هو واحد من أكبر المشاريع في البلاد. وقالت شركة السكك الحديدية التنزانية إن خط السكة الحديد سيعالج الازدحام ويخفض رسوم خدمات الشحن بنسبة 40%، حيث ينقل 10 آلاف طن من البضائع، أي ما يعادل 500 شاحنة، في الرحلة الواحدة.
نداء عاجل للاستثمار
إن التحدي الذي يواجه تمويل البنية التحتية في أفريقيا هو أكثر من مجرد لعبة أرقام؛ يتعلق الأمر بتعزيز بيئة تشجع الاستثمار مع ضمان استدامة المشاريع ومرونتها وشمولها. والآن، أكثر من أي وقت مضى، تشكل النماذج المالية المبتكرة والشراكات عبر الحدود أهمية بالغة لمواجهة تحدي البنية التحتية.
ويتعين على المستثمرين الدوليين، ومؤسسات التنمية، ومقدمي رأس المال الخاص أن يستمروا في التعاون، والاستفادة من خبراتهم ومواردهم الجماعية. إن فرصة إحداث تأثير تحويلي كبيرة -فإلى جانب التحسينات الفورية للبنية التحتية، تعمل هذه المشاريع على خلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة وتعزيز التنمية المستدامة.
ومن خلال إطلاق العنان لرأس المال اللازم لبناء بنية تحتية قادرة على الصمود، يمكن لأفريقيا أن تقطع خطوات كبيرة نحو التصنيع، وخلق فرص العمل، والتكامل التجاري العالمي، وتأمين مستقبل مزدهر لشعوبها.
لقد حان الوقت لاتخاذ إجراء حاسم، ويجب أن تتماشى الشراكات والاستثمارات الدولية مع رؤية أفريقيا الجريئة للمستقبل، مما يضمن أن تصبح البنية التحتية الأساس للتحول الاقتصادي في القارة.