كتب – تامر محمد سامي
المتخصص في قضايا الأمن القومي وسياسات الدفاع الاستراتيجي
في إطار ما تملكه مصر من خبرات أمنية ودفاعية كبيرة تراكمت لديها عبر سنوات طوال من الصراع العربي الإسرائيلي، والمواجهات الممتدة مع العناصر الإرهابية والتكفيرية منذ التسعينيات، والسيطرة بنجاح على الاضطرابات الداخلية في مصر التي صاحبت الربيع العربي، وكذلك السيطرة المُحكمة على الحدود البرية والبحرية المصرية وسط حالة من السيولة الأمنية في دول الجوار على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، هذا بالإضافة إلى ما تملكه القوات المسلحة المصرية من سمعة ممتازة ومكانة دولية مرموقة، وفي خضم ما تعانيه دول شرق ووسط أفريقيا في الأغلب من ذات المشكلات الأمنية والدفاعية، بالإضافة إلى ما تُمثله السياسات الإثيوبية تحديدًا لتلك الدول من قلق مزمن وتهديد استراتيجي كبير، كان من الطبيعي أن تلجأ تلك الدول إلى مصر في محاولة منها للتعامل على تلك التهديدات الاستراتيجية والأوضاع الأمنية المضطربة.
وبشكل خاص، تمثل المنطقة لمصر أهمية استراتيجية كبيرة، فمضيق باب المندب هو البوابة الجنوبية لقناة السويس، ونهر النيل يمثل أمن مصر المائي، كذلك فإن المنطقة تعتبر معبرًا رئيسيًا لكل من موجات الإرهاب العابر للحدود، تجارة الأسلحة، شبكات الجريمة المنظمة، مسارات الهجرة غير الشرعية، وغيرها من مهددات الأمن القومي المصري.
أولاً: البيئة الأمنية في شرق ووسط أفريقيا:
عادة ما توصف البيئة الأمنية في المنطقة بأنها مضطربة ومعقدة، كما تتسم بالتشابك والارتباط الدائم بحلقات أكبر من نفوذ القوى الدولية والإقليمية الكبرى، هذا بالإضافة إلى الإرث التاريخي غير المستقر بين دول المنطقة كافة، مما يساعد على توليد دوائر من العنف والعنف المضاد، وذلك في ضوء ما تشهده بعض دول المنطقة من تفاعلات داخلية متشابكة ومعقدة نتيجة اندلاع الصراعات والنزاعات التي تعصف بأمنها وتماسكها، مثل الصراع في إثيوبيا في الفترة بين عامي 2020 و2022، وتمرد بعض الحركات المسلحة، مثل ميليشيا فانو الأمهرية وجيش تحرير أورومو، كما أن استمرار الصراع السوداني منذ أبريل 2023، مع غياب أي أفق لتسوية الأزمة بشكل سلمي يهدد وحدة الداخل السوداني، بالإضافة إلى تنامي نشاط الإرهاب، وتوسع نفوذ حركة الشباب المجاهدين المتمركزة في وسط وجنوب الصومال، بما يعزز انعدام الاستقرار في البلاد، هذا بجانب الخلاف الإثيوبي – الصومالي الممتد منذ يناير 2024، بالإضافة إلى التوتر الإثيوبي – الإريتري منذ عام 2022، ، وكلها تلقي بظلالها على السياق الإقليمي المضطرب في المنطقة.[1]
وبالإضافة إلى كل ما سبق، تمتاز دول المنطقة بتنوع إثني وعرقي واسع غالبًا ما يكون حاضرًا عند محاولة تفسير أسباب النزاعات بين دول المنطقة؛ إذ تحتوي على تركيبة إثنية وعرقية معقدة تضم أكثر من مائة مجموعة عرقية ثقافية.[2]
وبشكل عام، يقود هذا التنوع العرقي والإثني الكبير إلى تضارب كبير في المصالح وهدم لمفردات الدولة القومية حيث يتم إعلاء المصالح العرقية الضيقة فوق مصلحة الدولة القومية، ظهر ذلك في الصراع المسلح بين التجراي والحكومة الفيدرالية في إثيوبيا، وكذلك في محاولة انفصال إقليم أرض الصومال عن الحكومة الاتحادية الصومالية، وفي الماضي كان المثال الأبرز، المذابح العرقية بين الهوتو والتوتسي في رواندا، وبجانب ذلك، هناك السياسات غير التعاونية المتمثلة أساسًا في توجهات الحكومة الإثيوبية والتي برزت على أكثر من صعيد، منها الاتفاق غير القانوني بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الذي يمنح إثيوبيا منفذاً بحريًا على البحر الأحمر مقابل الاعتراف باستقلال إقليم أرض الصومال عن جمهورية الصومال، وكذلك تعمد إثيوبيا تسويف وتعطيل مفاوضات سد النهضة مع مصر لما يزيد عن 13 عامًا بلا أي تقدم يذكر في مسار المفاوضات، هذا بجانب الخلافات الحدودية بين إثيوبيا والسودان، وكذلك بين إثيوبيا وإريتريا.[3]
كما تعج المنطقة بموجات من الحركات الإرهابية المختلفة، أبرزها حركة الشباب، والتي تتخذ من الصومال قاعدة ارتكاز لها، وتنظيم القاعدة الذي تمركز بشكل أساسي في السودان، هذا إلى جانب أن المنطقه تُعتبر نقطة انطلاق رئيسية للعديد من مسارات الهجرة غير الشرعية، أضف إلى ذلك نشاط شبكات الجريمة المنظمة، تهريب المخدرات، الإتجار في البشر، تجارة السلاح، هذا بالإضافة إلى عمليات القرصنه البحرية في خليج عدن وعلى الساحل الصومالي والتي كانت قد بلغت ذروتها في 2008، ولا زالت مستمرة ولكن بوتيرة أقل بكثير مما سبق، كما تنتشر في المنطقة القواعد العسكرية الأجنبية التي تعبر عن نشاط ونفوذ القوى الدولية والإقليمية.[4]
ثانياً: الاتفاقيات الأمنية والدفاعية المصرية مع دول شرق ووسط أفريقيا:
في إطار البيئة الأمنية المضطربة والمعقدة في المنطقة والسابق تناولها في المحور السابق، فغني عن البيان ما تمثله من تهديدات مباشرة وخطيرة للأمن القومي المصري، لذا قامت مصر بعقد العديد من الاتفاقيات الأمنية والدفاعية مع دول شرق ووسط أفريقا، وذلك كالتالي:
بوروندي
في 10 أبريل 2021 وقعت مصر اتفاقية تعاون عسكري مع بوروندي، قام بالتوقيع الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق والفريق أول بريم نيونجابو قائد قوات الدفاع الوطني البورونديه، وذلك على هامش الاجتماع الأول للجنة العسكرية المصرية البوروندية لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وتتضمن الاتفاقية التعاون في مجالات التدريب والتأهيل والتدريبات المشتركة، كما تتيح الاتفاقية تبادل الخبرات بين الجانبين، وتأتي الاتفاقية في إطار العلاقات الطيبة للغاية بين البلدين والتي تمثلها أيضاً الزيارات واللقاءات المتبادلة والمتكررة بين الرئيس السيسي وقيادات بوروندي والتي كان آخرها لقاء الرئيس السيسي مع جيرفيه ندير أكوبوكا رئيس وزراء بوروندي في 23 مايو 2023، ولقاؤه الرئيس البوروندي إيفاريست ندايشيمي في 9 نوفمبر 2022 في شرم الشيخ.[5]
رواندا
في 30 مايو 2021 زار الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق رواندا بهدف تعزيز أوجه التعاون العسكري المشترك بين البلدين، وعقد عدد من اللقاءات رفيعة المستوى مع القيادات العسكرية الرواندية لبحث سبل تطوير التعاون الدفاعي المشترك، والتقي وزير الدفاع الرواندي ألبرت موراسيرا، وتم خلال اللقاء تبادل الرؤى حول تطورات الأوضاع في المنطقة والتحديات الأمنية التي تواجه الأمن القومي لكلا البلدين، كما ترأس مع نظيره الرواندي الفريق أول جان بوسكو كازورا الاجتماع الأول للجنة العسكرية المصرية الرواندية المشتركة، وأكد خلال الاجتماع على دعم مصر لكافة أوجه التعاون مع المؤسسة العسكرية الرواندية والاستعداد لتلبية مطالب تطوير التعاون في مجالات التدريب والتأهيل وتبادل الخبرات المشتركة، وفي 24 مايو 2023 تم في القاهرة انعقاد الاجتماع الثاني للجنة العسكرية المصرية الرواندية المشتركة برئاسة كل من رئيس أركان قوات الدفاع الرواندية والفريق أسامة عسكر رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية السابق.[6]
أوغندا
في 7 أبريل 2021 وقعت مصر وأوغندا اتفاقية تعاون استخباراتي عسكري، وقد تمت مراسم التوقيع بمقر المخابرات الأوغندية في العاصمة كامبالا، وقع عن الجانب الأوغندي أبيل كانديهو رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الأوغندية، ومن الجانب المصري اللواء سامح الدجوي نائب رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، وطبقاً لبيان الحكومة الأوغندية فإن الاتفاقية تؤسس لاستمرار التعاون بين الوكالتين في مجال تبادل المعلومات على أساس منتظم وخاصة في مجالات (مكافحة الإرهاب، تأمين الحدود، التهريب، غسيل الأموال)، هذا إلى جانب التحركات الخارجية في القرن الأفريقي[7].
ومن جانب آخر، قام الفريق موهوزي موسيفيني قائد القوات البرية الأوغندية بزيارة رسمية لمصر استقبله خلالها الفريق أسامة عسكر رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية السابق، وكان قد سبق ذلك قيام وفد أمني مصري عالي المستوي بزيارة إلى أوغندا في يونيو 2015، وزيارة رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الأوغندية لمصر في أبريل 2016، وزيارة وزير الأمن الأوغندي للقاهرة في نوفمبر 2016، وكذلك على مستوى اللقاءات الرئاسية، حيث استقبل الرئيس السيسي رئيسة البرلمان الأوغندي ريبيكا كاداجا في 18 يونيو 2019، وقيامه بأول زيارة رئاسية إلى أوغندا في كل من 18 ديسمبر 2016، و 21 يونيو 2017.
تلا ذلك زيارة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني للقاهرة في 8 مايو 2018، واستقبال الرئيس السيسي في 2 أكتوبر 2024 في القاهره للفريق أول موهوزي موسيفيني قائد قوات الدفاع الشعبيه الأوغندية.[8]
كينيا
في 26 مايو 2021 وقَّعت مصر مع كينيا اتفاقية فنية للتعاون الدفاعي، قام بالتوقيع الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق، ووزيرة الدفاع الكينية مونيكا جوما، وتم توقيع الاتفاقية في نيروبي على هامش الاجتماع الثالث للجنة العسكرية المصرية الكينية الذي ترأسه من الجانب الكيني الفريق روبرت كاربوكي رئيس هيئة الأركان الكينية، وتشمل الاتفاقية تطوير أوجه التعاون العسكري بين البلدين في مجالات التدريب والتأهيل ونقل الخبرات ورفع القدرات العسكرية بما يعزز قدرات الجانبين على مواجهة تحديات الأمن القومي وحماية المصالح المشتركة بين البلدين،[9] وتأتي الاتفاقية في إطار حرص مصر على تطوير علاقاتها مع دول أفريقيا بشكل عام وشرق ووسط أفريقيا بشكل خاص، ويتمثل هذا الحرص أيضًا في الزيارات واللقاءات المتبادلة والمتكررة بين الرئيس السيسي والقيادات الكينية والتي بدأت بقيام الرئيس السيسي في 18 فبراير 2017 بأول زيارة رسمية لكينيا منذ 33 عامًا التقى خلالها بالرئيس الكيني أوهورو كينياتا، وكان آخرها زيارة الرئيس السيسي لكينيا في 15 يوليو 2023.[10]
تنزانيا
في 13 مارس 2019 قام حسين مويني وزير الدفاع والخدمة الوطنية التنزاني بزيارة رسمية لمصر التقى فيها الفريق أول محمد ذكي وزير الدفاع السابق وذلك بمقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع المصرية، تم خلال الزيارة التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم في مجال نقل وتبادل الخبرات العسكرية بين الجانبين، كما تم تأسيس لجنة مشتركة للتعاون العسكري بين البلدين، وعقد الجانبان جلسة مباحثات مهمة في الاجتماع الأول للجنة التعاون العسكري المشتركة المصرية التنزانية، والتي تناولت عددًا من الملفات والموضوعات المرتبطة بعلاقات الشراكة والتعاون العسكري بين البلدين[11]، ويأتي ذلك في إطار العلاقات الثنائية الطيبة بين مصر وتنزانيا، حيث استقبل الرئيس السيسي في 10 نوفمبر 2022 السيدة سامية حسن الرئيسة التنزانية في أول زيارة رسمية لها لمصر، وأتت الزياره بعد قيام الرئيس السيسي في 14 أغسطس 2017 بأول زيارة رسمية لرئيس مصري إلى تنزانيا منذ 1968 التقى فيها مع الرئيس التنزاني جون ماجوفولي.[12]
السودان
في 2 مارس 2021 وقعت مصر اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان وذلك خلال زيارة رئيس أركان الجيش المصري الأسبق- الفريق محمد فريد- العاصمة السودانية الخرطوم للمشاركة في الاجتماع السابع للجنة العسكرية السودانية المصرية المشتركة، وتغطي الاتفاقية مجالات التدريب وتأمين الحدود ومواجهة التهديدات المشتركة.[13]
ومن جانب آخر، نفَّذت القوات المسلحة لكلا البلدين العديد من التدريبات العسكرية المشتركة، كان أولها التدريب الجوي المصري السوداني المشترك “نسور النيل – 1” الذي انطلق من قاعدة (مروى) السودانية في 14 نوفمبر 2020 بمشاركة عناصر من القوات الجوية وقوات الصاعقة المصرية، أعقب ذلك انطلاق تدريبات “نسور النيل – 2” في 31 مارس 2021، هذا بالإضافة إلى إطلاق مناورات ضخمة تحت اسم “حماة النيل” في 22 مايو 2021 تم تنفيذها في كل من منطقة أم سيالة الصحراوية شمالي الخرطوم، ومدينة الأبيض بشمال كردفان، ومروي بشمال السودان قبل أن تنتقل إلى مناورات بحرية ببورتسودان على البحر الأحمر، إلى جانب إطلاق فعاليات التدريب المصري السوداني (حارس الجنوب – 2) في 5 ديسمبر 2022، والذي جرت فعالياته بمجمع ميادين تدريب قوات حرس الحدود بالقاهرة، بمشاركة عناصر من قوات حرس الحدود المصرية وعناصر المشاة السودانية المدربة على مهام تأمين الحدود، وفي أبريل 2023 نفذت عناصر من القوات البحرية المصرية والسودانية تدريبا بحريا مشتركا (SUD-EGY-T-1) في مجال الأمن البحري ومجابهة التهديدات غير النمطية، وتم تنفيذ التدريبات بالقاعدة البحرية في بورسودان، وركز التدريب على موضوعات الأمن البحري والهجرة غير الشرعية ومجابهة الإرهاب والتهديدات غير النمطية.[14]
جنوب السودان
في 15 يناير 2024 تم توقيع مذكرة تفاهم بين حكومة جنوب السودان ومصر لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، الاتفاق جاء في أعقاب الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع بجمهورية جنوب السودان إلى القاهرة لحضور معرض مصر الدولي للصناعات الدفاعية إيديكس 2023، وجدير بالذكر أن مصر تحتفظ بقوات عسكرية لحفظ السلام في منطقة إيبي المتنازع عليها بين كل من السودان وجنوب السودان.[15]
جيبوتي
في 27 مايو 2021 قام الرئيس السيسي بأول زيارة لرئيس مصري إلى جيبوتي، وهو ما يعكس الاهتمام المصري بجيبوتي بما تمثله من أهميه استراتيجية كبيرة لمصر من ناحية موقعها المشرف على مضيق باب المندب وكذلك لعلاقاتها المتميزة مع إثيوبيا. ومن جانب آخر، تم في أثناء الزيارة توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين يتضمن التعاون في مجالات التدريب والتأهيل والتدريبات المشتركة، كما تتيح الاتفاقيه تبادل الخبرات العسكرية بين الجانبين.[16]
إريتريا
وقعت مصر اتفاقية تعاون عسكري مع إريتريا عام 2018 أرسلت على إثرها تعزيزات عسكرية في يناير 2018 عبارة عن أسلحة حديثة وآليات نقل عسكرية وسيارات دفع رباعي إلى قاعدة “ساوا” العسكرية في إقليم “القاش بركا” في إريتريا، والتي تعتبر المقر الرئيسي لتدريب جنود الخدمة الوطنية الإريترية، وفي 24 سبتمبر 2024 تم توقيع اتفاقية دفاعية جديدة لحماية الشحن في البحر الأحمر من هجمات المتمردين المدعومين من إيران، كما تشمل الاتفاقية تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية، وبشكل عام تتمتع مصر وإريتريا بعلاقات متميزة منذ تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم في مصر، إذ زار الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي مصر 6 مرات، بدأت في 9 سبتمبر 2014، وكان آخرها في 6 فبراير 2024.[17]
كما زار الرئيس السيسي إريتريا في 10 أكتوبر 2024 حيث تم عقد قمة ثلاثية جمعته مع كل من الرئيسين الإريتري والصومالي حسن شيخ محمود، وتم خلال القمة توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي بين الدول الثلاث إلى جانب توقيع اتفاقية تعاون عسكري واستخباراتي بين مصر وإريتريا، وطبقاً لبيان الرئاسة المصرية، تناولت القمة تطوير وتعميق التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث من أجل تعزيز إمكانات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالي الصومالي من التصدي للإرهاب بكافة صوره، وحماية حدوده البرية والبحرية، وصيانة وحدة أراضيه، كما تناولت الأزمة في السودان وتداعياتها الإقليمية، وقضايا الأمن والتعاون بين الدول الساحلية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، والوضع في الصومال على ضوء عقد إثيوبيا اتفاقاً مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية تحصل إثيوبيا بموجبه على ميناء بحري وقاعدة عسكرية يشرف كل منهما على مضيق باب المندب، في الوقت الذي أكدت فيه مصر أكثر من مرة أنها لن تسمح بأي وجود عسكري لإثيوبيا على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وكانت قد سبقت زيارة الرئيس السيسي زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي ورئيس جهاز المخابرات العامة السابق اللواء عباس كامل إلى إريتريا في 14 سبتمبر 2024.[18]
الصومال
في 14 أغسطس 2024 وقعت مصر والصومال اتفاقية عسكرية للدفاع المشترك، وذلك خلال زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للقاهرة، أعقب ذلك في 22 أغسطس استقبال وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور شخصيًا سفينة الشحن المصرية “الحرية 2” في ميناء مقديشو محملة بعتاد عسكري ضخم للحكومة الصومالية وذلك بحراسة الكورفيت الشبحي “سجم بورسعيد” من طراز جوويند، وتُمثّل الاتفاقية إطارًا قانونيًّا متكاملًا لتعميق التعاون بين البلدين حيث تهدف الاتفاقية إلى إعادة تشكيل ديناميات الأمن في القرن الأفريقي، وتعزيز قدرات الجيش الصومالي خاصةً في مجال التدريب وتحسين أداء مهامه القتالية ضد الجماعات الإرهابية، وكذلك في مواجهة أيّ تدخلات عسكرية محتملة انتهاكًا لسيادة الصومال على أراضيه. تأتي الاتفاقيه في وجود ترحيب صومالي غير مسبوق بالاتفاقية، بعد مطالب متكررة من نُخَب صومالية بعودة مصر للصومال، بل والتعويل عليها في حماية الصومال من التهديدات الخطيرة والمتصاعدة التي باتت مستدامة في الأعوام الأخيرة، وذلك على خلفية الانتهاك الإثيوبي لسيادة الصومال بتوقيع اتفاقية مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية.[19]
رؤية تحليلية وخاتمة:
تؤطر السياسة الخارجية المصرية تجاه دول شرق ووسط أفريقيا تحديداً، مجموعة من المحددات. أهمها الحفاظ على الأمن المائي المصري، وتأمين المصالح المصرية في البحر الأحمر، والعمل مع القوى الدولية في تعزيز الأمن الإقليمي.[20] واتجهت مصر في سبيل تأمين مصالحها في المنطقة لاستخدام مجالًا تتمتع فيه بميزة ملحوظة، وهو المجال العسكري. والجيش المصري، الأقوى في المنطقتين العربية والأفريقية – وبفضل سجله المتميز في عمليات مكافحة الإرهاب والحرب التقليدية – يجد نفسه في وضع جيد لمساعدة دول القارة، مما يمنح مصر نفوذًا سياسيًا في قارة يشكل الإرهاب فيها تهديدًا حقيقيًا، ولا سيما العديد من المنظمات الإرهابية الناشطة في أفريقيا (داعش، بوكو حرام، حركة الشباب).[21]
لذا تندرج التحركات المصرية في المنطقة ضمن جهود حماية الأمن القومي المصري في إطار إستباقي بما يضمن تأمين المصالح المصرية المختلفة مع دول المنطقة من ناحية تأمين كل من (الملاحة البحرية في مضيق باب المندب، منابع النيل).
ومن جانب آخر، تكتسب الاتفاقيات الأمنيه والعسكرية المصرية مع دول شرق ووسط أفريقيا زخماً كبيراً، وذلك على خلفية أبعاد متعددة، أولها هو توقيت عقد هذه الاتفاقيات وكثافتها في غضون فترة زمنية قصيرة نسبياً، حيث وقعت مصر ما جملته 11 اتفاقية أمنية ودفاعية مع دول المنطقة، واحدة فقط في عام 2018 مع إريتريا، تبعها اتفاقية واحدة مع تنزانيا في عام 2019، ثم 6 اتفاقيات دفعة واحدة في النصف الأول من عام 2021 (بوروندي، رواندا، أوغندا، كينيا، السودان، جيبوتي)، ثم شهد عام 2024 توقيع 3 اتفاقيات جديدة مع كل من (إريتريا، جنوب السودان، الصومال)، وهو ما يشير إلى سرعة التحركات المصرية ورغبة مصر في سرعة تكوين عدد من التحالفات الصديقة التي تكون داعمه للمواقف المصرية المختلفة
في المنطقة.
يأتي هذا في سياق كل من جمود مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا على مدار 13 عام من جولات التفاوض، تصديق جنوب السودان المفاجئ على اتفاقية عنتيبي في 17 يوليو 2024 والذي أدى لاستكمال النصاب القانوني للاتفاقية ودخولها حيز التنفيذ، وكذلك توقيع رئيس الوزراء الإثيوبي – آبي أحمد – ورئيس جمهورية أرض الصومال الانفصالية – موسى بيهي عبدي – في أديس أبابا على مذكرة التفاهم غير الشرعية لاستغلال ميناء بربرة، وذلك في مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال.
ثاني هذه الأبعاد، هو اللاعبين المؤثرين والذين يمثلون تهديداً حقيقياً للأمن القومي المصري في المنطقة، وبالتالي يشكلون الدافع الرئيسي للتحركات المصرية، وبالنظر إلى المهددات الرئيسية السابق ذكرها (سد النهضه، اتفاقية عنتيبي، اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال) نجد أن العنصر المشترك في جميع هذه الملفات هو إثيوبيا. وتاريخياً فإن الخلاف والتوتر بين إثيوبيا ومصر ليس بالجديد، حيث دأبت إثيوبيا على تبني سياسات وتوجهات غير تعاونية تتعارض وتصطدم بمقتضيات الأمن القومي المصري بشكل مباشر.
ونتيجة لكل ذلك ترى إثيوبيا أنه يتحتم عليها امتلاك القوة والنفوذ من خلال استغلال الأوراق الرابحة لديها، ويظهر ذلك في إصدار معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي (IFA)، الذي يساهم في رسم السياسات الخارجية لأديس أبابا، عام 2024، وثيقة بعنوان “الاستراتيجية الرئيسية للجسمين المائيين: حوض النيل والبحر الأحمر”، وهو المعهد الذي استقبل مؤخراً أميت باياز مديرة شؤون شرق أفريقيا بوزارة الخارجية الإسرائيلية وتيمار بار لافي القائم بأعمال السفير الإسرائيلي في إثيوبيا لتنسيق المصالح المشتركة بين البلدين.
واتساقاً مع البعد الثاني الخاص بإثيوبيا، يأتي البعد الثالث والمرتبط بمبررات اختيار مصر لهذه الدول تحديداً لعقد اتفاقيات أمنية وعسكرية معها، ويبدو أن القاهرة ترغب في تشكيل تعاون من الدول الحليفة لمصر والتي ترى القاهرة أنها ستكون عوناً لها في منطقة القرن الأفريقي، على أساس التعاون والتكامل المشترك مع هذه الأطراف، وحماية الأمن القومي لمصر ولدول القرن الأفريقي.
الهوامش والمصادر
[1] أحمد عسكر، حدود ومستقبل التحولات الاستراتيجية في القرن الأفريقي (2020 – 2024)، كراسات استراتيجية، العدد 360،
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، أغسطس 2024.
[2] حمدان الشيتي، خريطة القبائل والقوميات في القرن الأفريقي الكبير، مركز القرن الأفريقي للأبحاث والدراسات، لندن، ديسمبر 2023.
[3] سهيله محمود، التهديدات الأمنية في القرن الأفريقي، مركز الدراسات السياسية، جامعة بغداد، أبريل 2024.
[4] سهيله محمود، مرجع سابق.
[5] مصر وبوروندي، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة، ديسمبر 2023.
[6] مصر ورواندا، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة، 30 مايو 2021.
[7] مصر توقع اتفاقية تعاون استخباراتي عسكري مع أوغندا في ظل تواصل أزمة سد النهضة، BBC News، 8 أبريل 2021.
[8] مصر وأوغندا، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة،
[9] محمود قاسم، الاتفاقيات الدفاعية والعسكرية بين مصر وكينيا: دلالات متعددة، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، القاهرة، يونيو 2021.
[10] مصر وكينيا، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة، سبتمبر 2024.
[11] عماد الدين صابر، جريدة الأهرام، السنة 143، العدد 48310، القاهرة، 14 مارس 2019.
[12] مصر وتنزانيا، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة، أغسطس 2024.
[13] إسماعيل محمد علي، ما أبعاد الاتفاق العسكري السوداني المصري، إندبندنت عربية، 4 مارس 2021.
[14] مصطفى عبدالسميع، مصر تنفذ عددًا من التدريبات العسكرية المشتركة مع السودان، سكاي نيوز عربيه، مايو 2023.
[15] سالي القاضي، مصر وجنوب السودان توقعان مذكرات تفاهم للتعاون العسكري، اليوم السابع، القاهرة، 15 يناير 2024.
[16] جميله السعدني، ماذا تريد مصر من جيبوتي، جريدة الأهرام، القاهرة، 27 مايو 2021.
[17] مصر وإريتريا، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة، يونيو 2022.
[18] بيان مشترك لقادة مصر والصومال وإريتريا بشأن منطقة القرن الأفريقي وباب المندب، روسيا اليوم، 10 أكتوبر 2024.
[19] محمد عبد الكريم أحمد، اتفاقية التعاون العسكري بين مصر والصومال: علاقات تاريخية وتحديات مشتركة، قراءات أفريقية، 18 أغسطس 2024.
[20] محمود قاسم، مرجع سابق.
[21] زينب مصطفى، قراءة في الاستراتيجية المصرية لتنمية العلاقات مع أفريقيا: الأهداف والمسارات، مركز التنمية والدعم والإعلام، القاهرة،
19 يناير 2023.