كتب – محمد الدابولي
تشهد الساحة السياسية الإثيوبية -منذ الانتخابات النيابية الأخيرة في عام 2015- اضطرابات سياسية مستمرة، وصلت إلى ذروتها في ربيع عام 2018، مما أدى إلى إحداث تغيير هيكلي في بنية الحزب الحاكم في البلاد آنذاك «الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية»، بتصعيد القيادي الأورومي «أبي أحمد» إلى سدة الحكم ليكون أول حاكم في إثيوبيا ينتمي إلى جماعة الأورومو ذات الأكثرية النسبية في البلاد.
تحرك «أبي أحمد» وفق أجندة إصلاحية أملًا في إنهاء الاضطرابات السياسية والأمنية التي عانت منها بلاده طوال السنوات الأخيرة، فعلى سبيل المثال أُفرج عن العديد من المعتقلين في السنوات السابقة لحكمه، وسمح للعديد من المعارضين في المهجر بالقدوم لإثيوبيا.
وفي ديسمبر 2019 أسس حزبه السياسي الجديد «حزب الازدهار»، وذلك بعد دمج ثلاثة أحزاب من الائتلاف الحاكم السابق «الجبهة الثورية»، وهم “حركة أمهرا الوطنية الديمقراطية”، و”المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو” و”الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا”، كما عمل حزب الازدهار الجديد على ضم أحزاب خارج الائتلاف السابق أيضًا، وتعبر عن باقي القوميات والأقاليم الإثيوبية مثل عفار والأوجادين وجامبيلا وبني شنقول وهرر.
رغم مرور عامين على بدء الإجراءات الإصلاحية التي تبناها أبي أحمد إلا أن ثمة مؤشرات تدل على عدم نجاح سياسات «أبي أحمد» بشكل كامل في تحقيق المصالحة الوطنية، فما تزال العديد من الأقاليم الإثيوبية تشهد اضطرابات سياسية وآخرها إقليم الأوجادين الذي شهد في بداية أبريل 2020 ما يشبه انقلابًا داخليًّا فاشلًا على إدارة الإقليم.
انقلاب فاشل
تناولت العديد من التقارير الإخبارية أمر نجاح حاكم إقليم الأوجادين «الصومال الإثيوبي» في إفشال انقلاب داخلي في الإقليم؛ فوفقًا لموقع hch24 الجيبوتي، أقدم رئيس إقليم الأوجادين «مصطفى محمد عمر» في 1 أبريل 2020 على اعتقال «عبدالقادر بيسل» عضو مجلس رئاسة الإقليم بعد الاشتباه به في تحريك عناصر الشرطة المنتمين لعشيرته لتدبير انقلاب ضد رئيس الإقليم، مما أدى لتبادل إطلاق نار في عاصمة الإقليم «جيجيجا».
كما أقدم «مصطفى عمر» على إقالة العديد من القيادات التنفيذية والأمنية في إقليم الأوجادين، حيث تمت إقالة رئيس مكتب الأمن في الإقليم، ورئيس استخبارات الإقليم ونائبه، وعين آخرين بدلًا منهم، مما يوحي أن ثمة انقلابًا وشيكًا كان على وشك الحدوث في الإقليم المضطرب.
لم تتضح دوافع الانقلاب حتى الآن هل كانت في سياق تحقيق الاستقلالية الذاتية أو التامة للإقليم عن سلطات أديس أبابا أم أنها تندرج تحت إطار الصراعات السياسية بين قادة الإقليم والعشائر من أجل الاستحواذ السلطة والموارد الاقتصادية للإقليم.
تمرد سابق
تتنامى النزعات الانفصالية في الأقاليم الإثيوبية، ويأتي إقليم الأوجادين على رأسهم، حيث خاض الإقليم حربًا ضروسًا خلال عامي 1977 و1978 لأجل تحقيق الاستقلال عن أديس أبابا والانضمام إلى الدولة الصومالية في إطار تحقيق الدولة الصومالية الكبرى، إلا أن مساعي الصومال والحركات التحررية في الأوجادين باءت بالفشل بعد التدخل السوفيتي الكوبي لصالح حكم الديرغ بقيادة منجستو.
ومنذ انتهاء الحرب الإثيوبية الصومالية في السبعينيات يشهد إقليم الأوجادين تقلبات واضطرابات سياسية مستمرة كان آخرها في أغسطس 2018 حينما أعلن رئيس الإقليم الأسبق «عبدي عمر» التمرد على أديس أبابا جراء إعلان «أبي أحمد» تخصيص 5% من إيرادات النفط المستخرج من الإقليم لصالح تنمية الإقليم، وهو ما أدى لتصاعد موجة رفض وغضب في الإقليم قادها رئيس الإقليم مما أدى لتدخل الجيش لوأد التمرد وعدم تحوله إلى حرب أهلية تنتهي بانفصال الإقليم.
ملاحقات واسعة
تشكل العناصر الانفصالية في إقليم الأوجادين صداعًا مزمنًا في رأس القيادة الإثيوبية فمؤخرًا استغلت أديس أبابا تحسن علاقتها مع مقديشيو من أجل تعقب قيادات الأوجادين الداعمين للتمرد والانفصال عن سلطة أديس أبابا، ففي عام 2017 اعتقلت الاستخبارات الصومالية القيادي في جبهة تحرير الأوجادين «عبدالكريم شيخ موسى» المعروف بـ «قلب طغح» وتسليمه لإثيوبيا.
وفي ديسمبر 2019 نجحت أديس أبابا بالتعاون مع سلطات جمهورية أرض الصومال -الغير معترف بها دوليًّا- في القاء القبض على «مختار شيخ سوبني» رئيس جهاز استخبارات إقليم الأوجادين في عهد رئيس الإقليم الأسبق «عبدي عمر» والذي كان ضمن عناصر تمرد أغسطس 2018.
ترويض الإقليم
تسعى أديس أبابا -خاصة في عهد أبي أحمد- إلى امتصاص الغضب الصومالي في إثيوبيا عبر سلسلة من الإجراءات؛ أبرزها تمثيل القومية الصومالية في الحزب الحاكم الجديد حزب الازدهار، والعفو عن بعض القيادات التارلايخية لجبهة تحرير أوجادين؛ مثل قلب طغح السابق ذكره، وأخيرًا اعتماد اللغة الصومالية كلغة فيدرالية للدولة الإثيوبية، ففي 29 فبراير الماضي تم اعتماد اللغات العفرية والصومالية والأورومية والتيجرانية كلغات رسمية للبلاد إلى جانب اللغة الأمهرية.
مصير على المحك
بعيدًا عن دوافع الانقلاب الفاشل الأخير، فإن مصير الأقاليم الإثيوبية خاصة الأوجادين بات على المحك، خلال الفترة المقبلة خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في 29 أغسطس 2020 والتي يخوضها رئيس الوزراء أبي أحمد في إطار حزبه الجديد «الازدهار»، حيث تدور تساؤلات حول إمكانية أن تفرز الانتخابات المقبلة عن أوضاع سياسية أكثر استقرارًا أم أنها تكون استمرارًا لعملية الاضطربات السياسية والأمنية في البلاد.