كتب – حسام عيد
إن عودة أسعار الطاقة العالمية إلى الارتفاع في الربع الثالث من عام 2023 هي بمثابة تذكير في الوقت المناسب بأن الحرب الحماسية التي تشنها البنوك المركزية ضد التضخم لم تحقق النصر بعد.
على الرغم من تباطؤ التضخم العالمي من أعلى مستوياته القياسية في عام 2022، إلا أن التضخم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يزال أعلى من هدف 2% الذي تعتبره البنوك المركزية في هذه الاقتصادات معدل التضخم المثالي. وهذا من شأنه أن يزيد من احتمالات قيام البنوك المركزية في أفريقيا ومختلف أنحاء العالم -وخاصة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي يحظى بمراقبة وثيقة- بالحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة السائدة في المستقبل المنظور.
فيما تتوقع المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، أن يظل التضخم في العديد من البلدان أعلى من الهدف حتى عام 2025. وفي حديثها في أكتوبر 2023 في أبيدجان، حثت البنوك المركزية على تجنب تخفيف السياسة النقدية قبل الأوان.
ارتفاع تكاليف الاقتراض بالنسبة لأفريقيا
ويمثل احتمال بقاء أسعار الفائدة مرتفعة في عام 2024 وما بعده تحديات فريدة للعديد من الاقتصادات الأفريقية، بما في ذلك القوى الإقليمية مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا ومصر. وقد ارتفعت مستويات الدين العام في هذه البلدان بشكل كبير في السنوات الأخيرة؛ حيث اضطرت حكوماتها إلى زيادة الإنفاق العام بسرعة للتخفيف من آثار الصدمات العالمية المتعددة مثل كوفيد-19 والتضخم.
وقد تفاقم التحدي المتمثل في ارتفاع الدين العام وسط ارتفاع أسعار الفائدة بشكل متزايد في أفريقيا بسبب حقيقة أن غالبية العملات المحلية في جميع أنحاء القارة فقدت قوتها مقابل الدولار الأمريكي في السنوات الأخيرة. وقد أدى ذلك إلى زيادة تكلفة الواردات وزيادة تكاليف خدمة الديون الخارجية المقومة بالدولار.
إن الحقبة الجديدة من أسعار الفائدة المرتفعة تضع أفريقيا في موقف صعب بسبب مدى سرعة توسع الدين العام في جميع أنحاء القارة في السنوات الخمس إلى العشر الماضية. في جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، من المتوقع أن يصل صافي أرقام الدين الحكومي إلى 5.09 تريليون راند (270.2 مليار دولار)، أو حوالي 84.9% من الناتج المحلي الإجمالي، في الفترة 2023-2024 من 3.66 تريليون راند، أو حوالي 74.3% من الناتج المحلي الإجمالي، في عام 2020-2021.
الوضع أكثر خطورة في نيجيريا؛ حيث زاد إجمالي الدين العام بأكثر من خمسة أضعاف في العقد الماضي من 7.56 تريليون نايرا في ديسمبر 2012 إلى 39.56 تريليون نايرا في ديسمبر 2021، وتظهر الأرقام الأخيرة أن هذا الاتجاه استمر في العامين الماضيين. خلال نفس الفترة، انخفضت قيمة النايرا من حوالي 158 نايرا للدولار الواحد إلى 764 نايرا مقابل العملة الأمريكية.
وفي كينيا، أكبر اقتصاد في شرق أفريقيا، ارتفع الدين الوطني من 35.39 مليار دولار في عام 2018 إلى 55.08 مليار دولار في عام 2021، و71.48 مليار دولار في عام 2023، وفقًا للبيانات التي جمعتها مؤسسة الأبحاث الألمانية Statista من مصادر رسمية. وتتوقع شركة الأبحاث العالمية أن الدين الوطني لكينيا سيزداد بشكل مستمر بين عامي 2023 و2028 بإجمالي 36.7 مليار دولار.
وبالانتقال إلى مصر، أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا، من المتوقع أن يرتفع إجمالي الدين الحكومي إلى 92.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، ارتفاعًا من 88.5% في عام 2022. ووفقًا لأحدث تقرير للمراقبة المالية لصندوق النقد الدولي، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر هي الأعلى بين الأسواق الناشئة والبلدان المتوسطة الدخل.
إن البلدان التي تعاني من مستويات عالية من الدين الوطني غالبًا ما تتطور إلى اعتماد مزمن على أسواق رأس المال المحلية والعالمية لإعادة تمويل الأوراق المالية الحكومية المستحقة “الديون السيادية” ودفع فواتيرها. ومع احتمال أن تحافظ البنوك المركزية على أسعار فائدة مرتفعة في العام المقبل، فإن الاقتصادات الأفريقية الكبرى التي تعاني من مستويات متزايدة من الدين العام مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا ومصر قد تجد نفسها مضطرة إلى مواجهة عواقب ارتفاع تكاليف الاقتراض.
الضغط على الإنفاق
وتتمثل إحدى النتائج الرئيسية لارتفاع تكاليف الاقتراض في أنها تقلل الإنفاق الحكومي على التنمية والنفقات المتكررة مثل الرواتب؛ حيث أن تكاليف خدمة الدين تستحوذ على حصة متزايدة من إيرادات الضرائب.
كما أن تكاليف الاقتراض المرتفعة لها آثار على الشركات والأسر. عندما تكون أسعار الفائدة على الأوراق المالية الحكومية مرتفعة، تفضل البنوك وضع رؤوس أموالها في سندات وأذون خزانة خالية من المخاطر بدلا من إقراض الشركات. وهذا عادة ما يحرم الشركات من رأس المال اللازم للنمو والتوسع، مما يؤثر سلبًا على خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي.
والخطر الآخر الذي تفرضه أسعار الفائدة المرتفعة هو أنه إذا تجاوزت أقساط الديون الموارد المتاحة، فإن الحكومة يمكن أن تتخلف عن سداد ديونها، الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة على اقتصاد البلاد. وهناك مخاوف متزايدة من أن بعض البلدان الأفريقية التي تعاني حاليا من ضائقة الديون معرضة لخطر التخلف عن السداد.
وعلى هامش اجتماعات الخريف السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش بالمغرب خلال أكتوبر 2023، صرح أبي سيلاسي، مدير الإدارة الأفريقية في صندوق النقد الدولي، بأن سبع إلى ثماني دول أفريقية تحتاج إلى إعادة هيكلة ديونها. وتواجه هذه البلدان أزمة تمويل تتطلب إغاثة دولية، وقد طلبت كل من غانا وزامبيا عمليات إنقاذ طارئة من صندوق النقد الدولي وهما بصدد إعادة هيكلة ديونهما. فيما أشار إلى إن الدول الأخرى الخاضعة للمراقبة تشمل كينيا وأنجولا ومالاوي وموزمبيق.
الإصلاحات اللازمة
بعض القادة في أفريقيا وخارجها يرون أن الإصلاحات اللازمة لحل مشكلة ديون أفريقيا يجب أن تمتد إلى ما هو أبعد من القارة وأن تشمل وكالات التصنيف الائتماني العالمية أيضًا. ووفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فإن الدول الأفريقية تدفع فوائد على القروض ثمانية أضعاف ما تدفعه نظيراتها الأوروبية وأربعة أضعاف ما تدفعه الولايات المتحدة بسبب التقييمات المشوهة التي تجريها وكالات التصنيف الائتماني العالمية.
الأمينة العامة للأونكتاد، ريبيكا غرينسبان، أكدت خلال تصريحات صحفية لها في نيروبي خلال أغسطس 2023، أن وكالات التصنيف لا تساعد في تقديم تقييمات فعّالة ذات شفافية لاقتصادات أفريقيا، مشيرة إلى أنه ليس من المنطقي أن تدفع الدول النامية، وتحديداً الأفريقية، ثمانية أضعاف المعدلات التي تدفعها الدول الأوروبية مقابل نفس الدين. وقد ردد هذا الرأي الاتحاد الأفريقي وكذلك كبار رجال الأعمال مثل الملياردير السوداني البريطاني مو إبراهيم، الذي تحدث عن هذا الموضوع في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمدينة مراكش المغربية.
وختامًا، يمثل احتمال بقاء أسعار الفائدة مرتفعة في عام 2024 تحديات فريدة للعديد من الاقتصادات الأفريقية في الوقت الذي تكافح فيه لسداد مستويات الديون المتزايدة.