إذكاء أم إنهاء.. كيف تؤثر المعادن على الحرب في الشرق الكونغولي؟ (دراسة)

أبريل 13, 2025

بقلم – سيد صلاح غريب
الباحث في الشئون الأفريقية

في قارة، تمتلك 8% و 12% و 30% من احتياطات غاز ونفط ومعادن العالم على التوالي،[1] تلعب ثروات المعادن والمواد الخام بالتغذية والتمويل واستقطاب الفاعلين من الدول ودون الدول دورًا في الحروب والصراعات الأفريقية.[2] وفي الكونغو الديمقراطية؛ حيث تقدر الثروة المعدنية بأكثر من 24 تريليون دولار أو بأكثر من 1100 معدن ثمين، باتت المعادن والمواد الخام لعنة تصيب الشرق الكونغولي، وتستقطب إليه العديد من الفاعلين من الدول وغير الدول، وتحفز تكالبهم نحو حيازة معادنه وثرواته، وكان في قلب الفاعلين، دول من الإقليم مثل: (أوغندا وبوروندي ورواندًا) ودول من خارج الإقليم مثل: (الصين وبلجيكا وفرنسا) وفاعلون دون الدول من الحركات المسلحة مثل: (القوات المتحالفة الديمقراطية وحركة 23 مارس) حتى باتت محركًا رئيسًا لسياقات الشرق الكونغولي وحربه منذ تسعينيات القرن العشرين،[3] بل يمكن القول إنها بنتائجها لم تكن يومًا مجرد معادن تُستخرج من باطن الأرض بقدر ما كانت  خيوطًا تشكل خرائط النفوذ وتنظم وتمول تفاعلات الصراع والاشتباك والاقتتال.[4]

صفقة ممكنة

وإثر تطورات الشرق الكونغولي متسارعة الوتيرة، بدا للمعادن دور جديد للموارد والثروات المعدنية على نقيض دورها التقليدي في إذكاء الحرب وإشعالها؛ حيث حاولت الكونغو الديمقراطية توظيفها في جلب الأمن والسلام؛ فمؤخرًا، وتحديدًا خلال شهري فبراير ومارس  2025، راجت أحاديث إعلامية وصحفية إضافة لتصريحات مسؤولين كونغوليين وأمريكيين، تذيع  صيت صفقة محتملة بين الكونغو الديمقراطية والولايات المتحدة، تقايض من خلالها الأولى الثانية المعادن بالمساعدات الأمنية والعسكرية، وتأمل من ورائها جملة أمور من بينها:  استعادة السيطرة وتأمين مناجم المعادن وانتزاعها من قبضة حركة 23 مارس، ووضع حد للفوضى والاقتتال في مناطق الصراع، ومن تلك الأحاديث ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في 22 فبراير؛ حيث نشرت تصريحات للرئيس الكونغولي “فيلكس تشيكسدي” مفادها “أنه عرض على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا حصة من الثروة المعدنية الهائلة في بلاده مقابل التدخل والضغط على رواندا التي تقف وراء المتمردين وتصريح “وزارة الخارجية الأمريكية” في 9 مارس 2025؛ حيث قالت: “إن الولايات المتحدة أصبحت منفتحة على استكشاف شراكات في مجال المعادن الحيوية مع حكومة كينشاسا” وتصريح “روني جاكسون”- المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب” في 17 مارس؛ حيث قال: “إن الولايات المتحدة تتعهد بالمشاركة في استعادة السلام النهائي في جمهورية الكونغو الديمقراطية… ونرغب في العمل على تشجيع الشركات الأمريكية للاستثمار والعمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولتحقيق ذلك، يجب أن نتأكد من وجود بيئة سلمية”. وتصريح “كورنيل نانجا”- رئيس تحالف نهر الكونغو – في 24 مارس؛ حيث قال: “إن العقوبات الدولية والشراكة المعدنية المخطط لها مع الولايات المتحدة لن توقف القتال المستمر في شرق البلاد… إن المقاتلين المتمردين لن يتراجعوا، حتى مع المكافآت التي وضعتها الحكومة الكونغولية على قادتهم”.[5] وهي أحاديث وتصريحات، أفادت باقتراح الحكومة الكونغولية على الولايات المتحدة الأمريكية السماح لها بالوصول إلى مواقع المعادن في المناطق الشرقية والسماح لها بالسيطرة على أحد الموانئ في المياه الإقليمية ليكون مركزًا للتخزين والتصدير مقابل قيام القوات الأمريكية بتدريب وتجهيز القوات المسلحة الكونغولية على حماية طرق الإمداد بالمعادن من الجماعات المسلحة المدعومة من الخارج.[6]

دوافع متعددة

ولأول وهلة، يدرك القارئ لتلك التصريحات والأحاديث أن صفقة الكونغو الديمقراطية مستلهمة من الاتفاقية التي كانت على وشك التوقيع بين أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية في 28 فبراير 205، والتي تضمنت تسليم كييف حصة قدرها 50% من عائدات المعادن في البلاد مقابل التمتع بالتزام مالي طويل الأجل لتنمية أوكرانيا مستقرة ومزدهرة اقتصاديًا” من الولايات المتحدة، إلا أن المدقق لسياقات الكونغو الديمقراطية وموارده يدرك أن الصفقة الكونغولية بمضمونها ليست فقط مجرد استلهام من الصفقة الأوكرانية، بل صفقة اضطرتها الضرورة الكونغولية، وحتمتها  حزمة من الأسباب والأهداف والدوافع الكونغولية، يمكن تقديرها فيما يلي:

1.الإحباط الكونغولي من عمليتي نيروبي ولواندا

دفعت عمليات السلام المتعثرة والراكدة الكونغو الديمقراطية إلى محاولة أكثر جدوى لاستعادة السلام وإنهاء القتال عبر استجلاب فاعل دولي في ثقل الولايات المتحدة الأمريكية وقادر على إجبار رواندا وحركة 23 مارس على الامتثال؛ فالكونغو الديمقراطية لم تعد تعول على عملية نيروبي المعنية بإجراء حوار مع الحركات المسلحة ولم تعد تمنحها ثقتها الكاملة،[7] كما أن عملية لواندا خيبت آمالها في إنهاء القتال والتوقيع على اتفاق السلام الذي كان مقررًا توقيعه في ديسمبر 2024، بل زادت وتيرة الإحباط الكونغولي مع فشل محاولات إجراء الحوار المباشر بين الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس، وهو ما كانت ترفضه الكونغو الديمقراطية حتى 18 يناير 2025؛ حيث أكد فيليكس تشيسكيدي تمسكه بعملية لواندا، وجدد رفضه للحوار مع حركة إم 23، ورغم انفتاح الكونغو الديمقراطية على إجراء الحوار الذي أعلنت عنه أنجولا في 13 مارس، رفضت حركة 23 مارس الحوار  بحجة العقوبات الأوروبية.[8]

2. إيجاد شريك أمني جديد

تؤكد الصفقة الكونغولية التي تقايض المعادن بالمساعدات الأمنية الأمريكية أن الكونغو الديمقراطية لم تعد تعول -كما في السابق- على شراكاتها العسكرية القائمة وحلفائها العسكريين ومقاوليها الأمنيين؛ فهي لم تحقق عبرهم هدفها في وقف حركة 23 مارس وردعها؛ فعلى عكس تقدم الكونغو في 2013 وتمكنها من إجبار حركة 23 مارس على التوقيع على اتفاق سلام وتفكيكها مقابل دمجها، أثبتت نتائج المعارك والاشتباكات الدائرة منذ يناير 2025 أن الجيش الكونغولي وأفراده المقدرين بنحو 120.000 جندي وغيرهم من الحلفاء العسكريين من بوروندي وأوغندا وقوات حفظ السلام الأممية وقوات الساميدرك جميعهم غير قادرين على بسط سيطرتهم على كامل الشرق الكونغولي ووقف تقدم حركة 23 مارس، ويكفي القول إن حركة 23 مارس نجحت في معاركها الدائرة منذ يناير 2025 في السيطرة على مدينتي غوما وبوكافو ونجحت في التمدد في 7 أقاليم من أصل 8 في جنوب كيفو بحلول 12 مارس، وهو ما يعني حاجة الكونغو الديمقراطية لإيجاد حليف وشريك أمني أكثر فعالية وتأثيرًا، يمدها بالمساعدات والتدريبات والتجهيزات اللازمة لرفع أهبة قواتها وتعزيز قدرتها على وقف حركة 23 مارس، فذلك هو ما دفع الكونغو الديمقراطية إلى إغراء الولايات المتحدة  بمحاولة منحها حقوقًا حصرية في التعدين والتصدير، بالإضافة إلى السيطرة التشغيلية على ميناء بانانا في المياه العميق وإنشاء مخزون استراتيجي مشترك من المعاد مقابل قيامهم بتدريب وتجهيز الجيش الكونغولي لتأمين طرق التعدين من الجماعات المسلحة. [9]

3.عدم جدوى قوات حفظ السلام

شهد الشرق الكونغولي مبادرات وعمليات نشر قوات أممية وإقليمية لحفظ وإنقاذ ونشر السلام؛ فإلى جانب نشر قوات حفظ السلام الأممية، استدعت الكونغو الديمقراطية جماعة شرق أفريقيا لنشر قواتها في نوفمبر 2022 لمحاربة الحركات المتمردة، واستبدلتها ببعثة ” SAMIDRC” من الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في ديسمبر 2023 والتي قبل انتهاء ولايتها، انقضت بشكل مبكر في 13 مارس 2025 بإعلان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي إنهاء  تفويض” مهمتها العسكرية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية”.[10]  ولا شك أن ذلك يؤرخ لحقيقة أن قوات حفظ ونشر وإنقاذ السلام بما في ذلك قوة شرق أفريقيا أو البعثة الأممية  أن قوات “الساميدرك “لاقت مصائر متشابهة، فلم يكبحوا تحركات حركة 23 مارس، ولم ينهوا  القتال ويفرضوا السلام ولم يضمنوا الحماية الكافية للمدنيين.[11]

4.استعادة توازن القوى

لا شك أن إعلان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي إنهاء تفويض “مهمتها العسكرية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في 13 مارس 2025 وتفكيك قوام قواتها المقدر بنحو 1300 يفرضان تراجع ميزان الغلبة والتفوق العسكري لصالح حركة 23 مارس؛ لاختصام تلك القوات المنسحبة من ميزان القوة الداعمة للكونغو الديمقراطية، وهو ما يعني تراجع القدرات العسكرية الكونغولية وإمكاناتها بما يخل توازن القوى لصالح الميليشيات المسلحة وخاصة حركة 23 مارس، وهو ما يدفع بالضرورة الكونغو الديمقراطية إلى البحث عن بدلاء لحلفائها المتهاويين لاستعادة توازن القوى ما سوف تفقده إثر إتمام انسحاب قوات الساميدك المؤكد وانسحاب قوات البعثة الأممية المحتمل استئنافه.

5.محدودية تأثير الفاعلين الإقليميين

أيقن صانع القرار الكونغولي أن تحركات الفاعلين الإقليميين من قبل جماعة شرق أفريقيا وجماعة تنمية الجنوبية لا تحدث سوى أثر محدود في السياقات الكونغولية؛ فرغم تسارع التحركات الإقليمية والتنسيقات المشتركة بين الجماعتين سواء بعقد قمة مشتركة في 8 فبراير؛ حيث أكدا دور عمليتي السلام، لواندا ونيروبي، وأصدرا توجيهاتهما بدمجهما وأمرا باستئناف المفاوضات المباشرة والحوار مع جميع الأطراف الحكومية وغير الحكومية في إطار عملية لواندا / نيروبي،[12] أو بإعلانهما في 24 فبراير تعيين ثلاثة وسطاء لعمليتي السلام في لواندا ونيروبي وهم الرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، والرئيس النيجيري السابق أولوسيجون أوباسانجو، ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ماريام ديسالين بوشي بغرض الإشراف على وقف إطلاق النار، وتنسيق المساعدات الإنسانية، وتسهيل المناقشات بين الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى حل دائم للصراع،[13] إلا أن تلك التحركات لم تحرك راكدًا ولم تجبر حركة 23 مارس على وقف إطلاق النار ولم تضطر رواندا إلى إخراج قواتها خارج الكونغو الديمقراطية، وإنما هي تحركات من القمم والاجتماعات ومخرجاتها  لا تخرج عن كونها قرارات شفيهة، ولا تدخل دائمًا حيز التنفيذ، كما يلاحظ أنه رغم دعوات المنظمتين بشأن وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الرواندية لم تتحقق بعد.[14]

6.تدارك فقدان المناجم الكونغولية

يشهد شرق الكونغو الديمقراطية تراجعًا كونغوليًا أمام حركة 23 مارس منذ عودتها في 2021، بلغ ذروته بحلول يناير 2025؛ فقد وثقت  نتائج الاشتباكات تقدمات متتالية لحركة 23 مارس؛ حيث استولت في 27 يناير على مدينة غوما – أكبر مدينة في مقاطعة كيفو الشمالية – وتمكنت من الاستيلاء على مدينة بوكافو في مقاطعة كيفو الجنوبية في 14 فبراير وبحلول 12 مارس، باتت موجودة في سبعة من الأقاليم الثمانية في جنوب كيفو، وهي كاليهي، وكاباري، ووالونجو، وأوفيرا، وفيزي، وموينغا، وفي شمال كيفو، وصلت الحركة إلى بلدة كاشيبيري في منطقة في شمال كيفو، وبعدها أعلنوا التقدم إلى مركز واليكالي، الذي يشكل رابطًا بين أربع مقاطعات في شرق البلاد: شمال كيفو، وجنوب كيفو، وتشوبو، ومانييما. ولا شك أن فقدان الكونغو الديمقراطية تلك المواقع واستمرار فقدانها يعني بالتبعية  فقدان الحكومة الكونغولية السيطرة على مواردها المعدنية وثرواتها التي تقع تحت سيطرة وإدارة حركة 23 مارس؛ فتقارير  الأمم المتحدة توثق نجاح حركة 23 مارس منذ سيطرتها في مايو 2024 على منجم روبايا – أكبر منتج للكولتان في الكونغو الديمقراطية والذي ينتج 1000 طن من الكولتان في كسب 800 ألف دولار شهريًا من الضرائب التي تفرضها على عمال المناجم وتجار الكولتان وحده، كما أنها تُصدِّر حوالي 120 طنًّا من الكولتان من هذا المنجم إلى رواندا شهريًّا، لذا، تحاول الكونغو الديمقراطية في كسب التزام من الولايات المتحدة الأمريكية بتأمين المناجم والمعادن الكونغولية لمنع سقوطها في حركة 23 مارس بل وانتزاع المعادن التي تحت سيطرتها. [15]

7.تنويع شراكات التعدين

تمكنت الصين عبر شراكات التعدين وصفقاتها في الكونغو الديمقراطية في فرض هيمنة صينية على استثمارات التعدين في الكونغو الديمقراطية لا سيما منذ 2008 عندما وقعت حكومة جوزيف كابيلا صفقة بقيمة 6 مليارات دولار مع شركة سيكومينز، وحتى مارس 2025، باتت الكيانات والشركات الصينية تمتلك حصصًا في 15 من مناجم الكوبالت الـ19 في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويبدو أن تلك شراكات التعدين من الكونغو الديمقراطية لم تعد تحظى بتأييد كونغولي، بل باتت تواجه اتهامات وانتقادات متزايدة، تدور في جملتها حول عدم وفاء الشركات الصينية بوعودها؛ فوفقًا للكونغو الديمقراطية لم تقدم شركة سيكومين مليار دولار من الاستثمارات البالغة 3 مليارات دولار في البنية التحتية التي وعدت بها بموجب اتفاقية عام 2008، وأن الصين لا تحترم عمومًا شروط الاتفاقيات المختلفة، ولا تزال تعتمد بشكل كبير على العمالة الصينية على حساب العمالة الكونغولية. وتحت وطأة الهيمنة الصينية، واحتكارها لشراكات التعدين، يبدو أن الكونغو الديمقراطية، تحاول تحقيق أقصى استفادة من التنافس الدولي من خلال توقيع اتفاقيات متعددة مع كل من الصين والولايات المتحدة وأطراف أخرى، بدلًا من الانحياز لطرف واحد لتحقيق مزايا واستفادة أكثر جدوى تخدم مصالح وأهداف الكونغو الديمقراطية وخاصة محاربة حركة 23 مارس والسيطرة على الشرق الكونغولي.[16]

انفتاح أمريكي

وردًا على الاقتراح الكونغولي، أبدت الولايات المتحدة الأمريكية انفتاحًا وترحيبًا وبالتأكيد، لا يأتي ترحيب وانفتاح الولايات المتحدة الأمريكية من فراغًا، وإنما يأتي من إدراكها عدة مقامات؛ فهي تدرك  في المقام الأول أن المقترح يتماشى  مع نهج وعقيدة الإدارة الحاكمة والتي أعرب عنها الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب” في أول يوم من ولايته الثانية بتوقيعه على الأمر التنفيذي “إطلاق العنان للطاقة الأمريكية”، والذي يرسخ لاعتبار الولايات المتحدة “منتجًا ومعالجًا رئيسيًا للمعادن غير الوقودية والتي تعهد بإنفاذها في 4 مارس أمام جلسة مشتركة للكونجرس؛ حيث وعد  باتخاذ “إجراء تاريخي” من أجل “توسيع إنتاج المعادن الأساسية والمعادن النادرة بشكل كبير [17]وفي المقام الثاني؛ تعي  أن المقترح يسمح لها الاستفادة من الوصول المباشر للمعادن الكونغولية مثل الكوبالت والليثيوم والنيكل والمعادن الأرضية التي هي ضرورية لتصنيع البطاريات الكهربائية وأشباه الموصلات،  وتعطي للولايات المتحدة ميزة تنافسية كبيرة في صناعة التكنولوجيا المستقبلية، وفي المقام الثالث؛ تسلم بأن المقترح يعزز قدرتها على الاستقلال عن سلاسل التوريد الصينية وعدم الوقوع تحت رحمة الهيمنة الصينية على سلاسل التوريد العالمية للمعادن النادرة، وفي المقام الرابع؛ أن تعتبر المقترح حال إتمامه قد يعد تعويضًا عن الصفقة الأوكرانية التي تعثرت ولم تشهد التوقيع عليها كما كان مقررا في 28 فبراير 2025 نتيجة المشادات الكلامية بين الرئيس الأوكراني” فولوديمير زيلينسكي” والرئيس الأمريكي” دونالد ترامب”.[18]

توقيع مستبعَد

ورغم جاذبية الصفقة الكونغولية وشراكة الولايات الأمريكية مع الكونغو الديمقراطية، إلا أن احتمالات عقدها وتوقيعها ودخولها حيز التنفيذ تتوارى؛ فهي صفقة تعتريها تحديات متعددة، منها، أولًا؛ ميل نهج الرئيس ” دونالد ترامب” ” وشعاره ” أمريكًا أولًا ” إلى تدخل أقل في الشرق الكونغولي، قد يقتصر على تقديم التدريب والمساعدات اللوجستية والفنية دون أن يحقق مطالب الكونغو الديمقراطية في نشر قوات أمريكية تؤمن مناجم التعدين وتشارك في القتال أمام حركة 23 مارس، باعتبار أن ذلك قد يورطها في حرب جديدة ومعقدة على غرار تورطها في أفغانستان والعراق، وثانيًا؛ محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لمجاراة الصين في شراكات التعدين غير قابلة للتحقق على المدى القريب في الكونغو الديمقراطية؛ فالولايات المتحدة لا تزال تواجه تحديات لوجستية مقارنة بالصين،[19] كما أنه ليس لديها شركات تعدين تعمل حاليا في أرض الكونغو، وإذا أرادت البدء، فقد تحتاج إلى الكثير من الوقت لتجهيز الوسائل اللوجستية، وأن معظم المناجم المكتشفة في شرق الكونغو تم منحها مسبقا لشركات صينية في الغالب، وإذا أرادت الولايات المتحدة الدخول في المنافسة قد يتعين عليها القيام بعمليات مسوح واكتشافات جديدة، وهو ما يتطلب الكثير من الاستثمارات الضخمة التي لا تضمن نتائج كبيرة عند الوصول، وثالثًا: يمثل مشروع “السكك الحديدية” الرابط بين مناجم زامبيا وجنوب شرق الكونغو بميناء لوبيتو في دولة أنغولا أكبر مجهودات الولايات المتحدة الأمريكية التي قد تسمح لها بتقويض الهيمنة الصينية ومواجهة النفوذ الصيني في أفريقيا وتمنحها إمكانية الوصول إلى المعادن الرئيسية في المنطقة.[20]

وختامًا، يمكن القول إن ثروات المعادن والمواد الخام هي لعنة أصابت الصراعات والحروب الأفريقي؛ فهي غذَّت ومولت واستقطبت نحوها العديد من الفاعلين من الدول وغير الدول وأن الصفقة الكونغولية لمقايضات المعادن بالمساعدات الأمنية والعسكرية الأمريكية ليست مجرد  استلهام من الصفقة الأوكرانية، بل صفقة اضطرتها الضرورة الكونغولية، وحتمتها عديد حزمة من الدوافع من الإحباط الكونغولي ومحاولة البحث عن شريك أمني جديد فاعل وأكثر جدوى في ثقل الولايات المتحدة الأمريكية، يمدها بالمساعدات والتدريبات والتجهيزات اللازمة لرفع أهبة قواتها وتعزيز قدرتها على وقف حركة 23 مارس، وأن ترحيب الولايات المتحدة الأمريكية يأتي من اعتبار الصفقة الكونغولية حال إتمامها تتماشى  مع نهج وعقيدة الإدارة الحاكمة،  وتسمح لها بالاستفادة من الوصول المباشر للمعادن الكونغولية وتعزز قدرتها على الاستقلال عن سلاسل التوريد، وأنه رغم جاذبية الصفقة الكونغولية، إلا أن توقيع الولايات المتحدة الأمريكية يعتريه عدد من التحديات، تدور حول نهج “أمريكا أولًا” وعدم الحماس الأمريكي لنشر قوات أمريكية داخل الكونغو اعتزامها فقط قصر التدخل على الدعم الفني واللوجستي، وبشكل أو بأخرى، ستبقى معادن الشرق الكونغولي خيطًا ناظمًا لخرائط النفوذ ومحركًا وممولًا رئيسًا الاشتباكات وعمليات القتال سواء بين الحركات المسلحة فيما بينها أو بين حركة 23مارس والقوات الكونغولية.


[1] Mapping Africa’s natural resources, Al Jazeera,  15 February 202, access date  march 2025, https://bitl.to/4Ezx

[2] Africa’s critical mineral resources, a boon for intra-African trade and regional integration, UNECA, 22 December 2024, access date march 2025, https://bitl.to/4Ezv

[3] Le M23 est-il une rébellion ?, , Actualite  CD,  février 2025,  https://bitl.to/45Gz

[4] Congo offers US, Europe minerals in exchange for peace, MINING, access date march 2025, https://bitl.to/4F00

[5] DR Congo rebel leader says sanctions, US minerals deal won’t stop fighting in the east, EURO NEWS, 24/03/2025, https://bitl.to/4F03

[6] Is Trump mulling a minerals deal with conflict-hit DR Congo?, BBC, 12 March 2025, https://bitl.to/4F1X

[7] Est de la RDC: les élections de 2023 et le retrait des forces kényanes de l’ESRF ont ralenti le processus de Nairobi accentuant la crise, selon Uhuru Kenyatta, , Actualite CD,  février 2025, https://bitl.to/4BDK

[8] Est de la RDC: l’EAC appelle à un règlement pacifique des conflits et exhorte le gouvernement Congolais à s’engager directement avec toutes les parties prenantes y compris le M23, , Actualite CD, 30 janvier 2025, https://bitl.to/4BDM

[9] Trois assises diplomatiques sous tension pour tenter de résoudre la crise dans l’est de la RDC, Actualite CD, 14 mars 2025, https://bitl.to/4BVC

[10] La SADC met fin au mandat de sa mission militaire en RDC et ordonne un retrait progressif, SADC, 13 mars 2025, https://bitl.to/4BDl

[11] Blue Helmets in eastern Congo: Unloved, but still needed, DW, 02/01/2025February 1, 2025, https://bitl.to/4APA

[12]Sommet SADC-EAC sur la RDC: les chefs des armées vont se réunir dans cinq jours afin de fournir les directives pour un cessez-le-feu “immédiat” et “inconditionnel”, Actualite  CD, 8  février 2025, https://bitl.to/4AP1

[13] Est de la RDC : L’EAC et la SADC désignent trois facilitateurs pour superviser le cessez-le-feu, Radio Okapi, 3/03/2025, https://bitl.to/4AP3

[14] RDC: l’AFC/M23 atteint Mwenga, sixième territoire du Sud-Kivu affecté par la rébellion, Actualite  CD, 4  mars 2025,  https://bitl.to/4AP4

[15] RDC : les rebelles de l’AFC/M23 s’emparent de Kashebere et Kibati en direction de Walikale-centre, Actualite CD, 13 mars 2025, https://bitl.to/4BQu

[16] DRC proposes exclusive minerals deal to US, Mining-Technology, March, 2025, https://bitl.to/4F04

[17]  جيهان عبد الرحمن جاد، صراع المعادن: هل تنجح محادثات ترامب في كسر هيمنة الصين على كنوز الكونغو؟، قراءات أفريقية، 24 مارس 2025، https://bitl.to/4F1b

[18] Congo president meets US lawmaker amid talk of mineral deal, Reuters, 17 March 2025, https://bitl.to/4F1e

[19] Congo’s mineral offer to US raises questions of ownership amid bloody civil war, major China presence, Fox Business, march 2025, https://bitl.to/4F1h

[20] خمسة أسئلة توضح صفقة معادن مقترحة بين الكونغو وإدارة ترامب، الجزيرة، 17 مارس 2025، https://bitl.to/4Ej2