«أمهات الشمس».. نساء زنجبار يبددن الظلام بالنور والأمل

أبريل 13, 2025

كتبت – أسماء حمدي
في أعماق جزيرة زنجبار، حيث تتشابك أشجار النخيل مع بيوت الطين في مشهد ساحر، تصنع مجموعة من النساء تحولًا غير مسبوق في مجتمعاتهن عبر نشر الطاقة الشمسية في القرى النائية.
“أمهات الشمس”، كما يُطلق عليهن، لا يمتلكن سوى تعليم بسيط أو يكاد يكون معدومًا، ومع ذلك، تمكّنَّ من أن يصبحن خبيرات في مجال الطاقة الشمسية، ويُعتبرن سفيرات للتغيير الاجتماعي والتنمية المستدامة مُحدِثات فارقًا حقيقيًا وملموسًا في حياة مجتمعاتهن.
أمهات الشمس
في قرية “ميويني بي” الواقعة في جزيرة “أنغوجا”، إحدى الجزر الرئيسية في أرخبيل زنجبار شبه المستقل الواقع قبالة ساحل تنزانيا شرق إفريقيا، تجتمع مجموعة من النساء مرتديات حجابًا بألوان زاهية، يثبتن ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المنازل الطينية.
من بين النساء، شريفة حسين، والتي كانت قبل أعوام قليلة فقط أمًا لا ترى نفسها سوى في منزلها. اليوم، تُعد شريفة واحدة من “أمهات الشمس”، حيث تقف بفخر تحمل مفكًا وأسطوانة أسلاك، وتزيل العزل من الأسلاك الحمراء والسوداء، ممسكة بجهاز اختبار الجهد بين شفتيها، ثم تعمل على توصيل الأسلاك بجهاز إلكتروني مُثبت على الجدار لتضيء منازل القرية بالطاقة النظيفة.
يُعد برنامج “كلية بيرفوت زنجبار”، الذي يتبع نموذجًا عالميًا تأسس في الهند عام 1997، حجر الأساس لهذه المبادرة. يعمل البرنامج على تدريب النساء اللاتي تجاوزن سن الخامسة والثلاثين، ويفتقرن إلى التعليم، ليصبحن خبيرات في تركيب وصيانة أنظمة الطاقة الشمسية.


بلا كهرباء
في زنجبار، يعاني نحو نصف السكان، البالغ عددهم قرابة مليوني نسمة، من عدم توفر الكهرباء، ويضطر الكثيرون إلى استخدام وسائل بدائية ومكلفة، مثل الكيروسين والفحم، للحصول على الإضاءة والطهي.
ومع محدودية فرص العمل، خاصة في المناطق الريفية، تتفاقم معاناة النساء اللاتي يُنظر إليهن غالبًا كربّات منزل فقط.
هنا، يأتي دور “أمهات الشمس”، حيث يحصلن على تدريب مكثف لمدة 3 أشهر في كلية “بيرفوت” في قرية كينيازيني. بعد تخرجهن، توزع الحكومة عليهن 25 نظامًا للطاقة الشمسية لتركيبها في منازلهن وفي منازل أخرى بقرى مجاورة.
يتقاضى المشروع رسومًا رمزية تبلغ 6.000 شلن تنزاني (حوالي جنيهين إسترلينيين) من كل منزل شهريًا لمدة 5 سنوات، ما يتيح لهن مصدر دخل مستدامًا يعزز استقلالهن الاقتصادي، وفقًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية.


فتح آفاق جديدة
منذ عام 2015، تمكنت الكلية من تدريب 65 امرأة من زنجبار، اللواتي نجحن في إيصال الكهرباء إلى أكثر من 1.850 منزلًا في 29 قرية. كما أصبحت الكلية مركزًا إقليميًا، يدرب نساء من دول مثل مالاوي وصوماليلاند.
يقول المدير التنفيذي لوكالة تمكين الاقتصاد في زنجبار، جمعة برهان: “ساعدت أمهات الشمس في تمكين شعبنا من خلال توفير الكهرباء، وهي خدمة اجتماعية مهمة للغاية. كما حصلن على وظائف ودخل يضمن لهن سبل العيش”.
شريفة حسين، إحدى الخريجات، والأم البالغة (44 عامًا) من العمر، تقول بفخر: “انهيت التدريب في أكتوبر الماضي، ومنذ ذلك الحين ركبت أنظمة طاقة شمسية لـ3 منازل، لقد استفدت كثيرًاـ البرنامج فتح عقلي، أنا الآن أُنظر إليّ كمحترفة في قريتي”.
تحلم شريفة بفتح متجر لبيع الأدوات الكهربائية، بما في ذلك الأجهزة العاملة بالطاقة الشمسية، مؤكدة أن البرنامج منحها الفرصة لتغيير حياتها وحياة من حولها.


كسر الأعراف
إلى جانب تمكين المرأة اقتصاديًا، يسعى البرنامج إلى تغيير الأعراف الاجتماعية السائدة. تشير بريندا جيفري، مديرة البرامج في الكلية، إلى أن العديد من الفرص لا تصل إلى مثل هؤلاء النساء، مضيفة: “نهدف إلى تغيير نظرة النساء لأنفسهن، من كونهن فقط أمهات وربّات منازل، إلى رؤية أنفسهن كمحترفات قادرات على قيادة مجتمعاتهن”.
بدورهما، قالت هيلين ألبورج وكافيا مايكل، باحثتان من جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد، إن البرنامج يتناول “كيف تقوض الأعراف الأبوية النساء في قدراتهن كأفراد ذوي معرفة وكفاءة”، كما أنه “يكسر الصور النمطية والحواجز الاجتماعية عبر إثبات أن الأشخاص الذين لم يحصلوا على تعليم يمكنهم أن يصبحوا خبراء وقادة مجتمعيين”.
هذه المبادرة لم تقف عند حدود التدريب فقط. فعضوات الدفعات الأولى، اللواتي تلقين تدريبهن في الهند، يدرّبن الآن الجيل الجديد من “أمهات الشمس” في زنجبار، ليواصلن مسيرة التمكين والتنمية.


أضواء جديدة في المنازل والقلوب
في أحد الأيام الحارة، صعدت عرفة خميس، إحدى “أمهات الشمس”، باستخدام سلمًا خشبيًا إلى سقف أحد المنازل وعندما وصلت إلى الأعلى، مررت لها زميلتها زليخة موليد، لوحًا شمسيًا، لتثبيته.
في الوقت نفسه، كانت صاحبة المنزل، سلامة حامد، تنتظر بفارغ الصبر، وحين أضاءت الأنوار لأول مرة، كانت الابتسامة على وجه سلامة تعبّر عن الكثير، قائلة: “أطفالي سيتمكنون من أداء واجباتهم المدرسية ليلًا، ولن أضطر لشراء بطاريات المصابيح أو شحن هاتفي لدى الجيران وهذا يغير حياتنا “.
رسالة أمل
برنامج “أمهات الشمس” لا يقتصر على توفير الكهرباء فقط، بل يحمل رسالة أمل للمجتمعات المهمشة، ويثبت أن التغيير يبدأ بخطوة، وأن النساء، حتى دون تعليم، قادرات على قيادة التغيير وتحقيق التنمية المستدامة.
ومع كل ضوء يُشعل في أحد منازل زنجبار، يُشعل معه أمل جديد في القلوب والطرقات نحو مستقبل أكثر إشراقًا للنساء وللمجتمع بأسره.